أمّـن يجيب المضطر إذا دعاه

سم الله .. والحمد لله .. والصلاة والسلام على رسول الله .. وعلى آله وصحبه ومن والاه ..

نقل الحافظ ابن كثير في تفسيره عند قوله تعالى في سورة النمل (أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ ):
نقل عن الحافظ بن عساكر الدمشقي قال :"كان رجل مكارٍ على بغل له -أي يركب الناس على بغل له للسفر بالأجرة- يكاري به من دمشق إلى الزبداني ..
فركب معه ذات يوم رجل .. قال: فمررنا على بعض الطريق عن طريق غير مسلوكة ..
فقال لي الرجل: خذ في هذه الطريق فإنها أقرب .. فقلت له: لا خبرة لي بها ..
فقال: بل هي أقرب .. فسلكناها، فانتهينا إلى مكان وعر وواد عميق به قتلى كثيرون ..
فقال لي الرجل: أمسك رأس البغل حتى أنزل .. فنزل وتشمر وجمع عليه ثيابه، وسلّ سكينًا معه وقصدني من بين يديه فهربت .. وتبعني فناشدته الله .. وقلت له : خذ البغل بما عليه، فقال: هو لي .. وإنما أريد قتلك .. فخوفته بالله تعالى والعقوبة منه .. فلم يقبل .. فاستسلمت بين يديه .. وقلت له : إن رأيت أن تتركني حتى أصلي ركعتين، فقال: لك ذلك وعجل ..
فقمت أصلي .. فارتج عليّ -أي ذهب عني كل ما أحفظه من القرآن-، فلم يحضرني منه حرف واحد، فبقيت واقفًا متحيرًا وهو يقول لي: هيا افرغ، فأجرى الله على لساني قوله تعالى:
(أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ)، فإذا أنا بفارس قد أقبل من فم الوادي، وبيده حربة فرمى بها الرجل، فما أخطأت فؤاده فخرّ صريعًا..
فتعلقت بالفارس، وقلت له: بالله من أنت؟ فقال: أنا عبد "من يجير المضطر إذا دعاه ويكشف السوء"، قال: فأخذت البغل والحمل ورجعت سالمًا ..

فسبحان من يجير ولا يجار عليه ..


من الذي يفزع إليه المكروب .. ويستغيث به المنكوب .. وتصمد إليه الكائنات .. وتسأله المخلوقات .. وتلهج بذكره الألسن .. وتؤلهه القلوب ..؟


إنه الله لا إله إلا هو ..


إذا جاءك الهم ،، وأحاطك الغم ،، وحلّ عليك الحزن ،، وضاقت بك الحيل ..

فالجأ إلى رب الأرض والسماوات ..

الدعاء .. أقوى سلاح .. غفل عنه الكثير .. وتجاهله الكبير قبل الصغير ..

إن دعاءك ربك عبادة أخرى .. وطاعة عظمى ثانية فوق حصول المطلوب .. وإن عبدًا يجيد فن الدعاء ؛ حري أن لا يهتم ولا يغتم ولا يقلق .. كل الحبال تتصرم إلا حبله .. كل الأبواب توصد إلا بابه .. وهو قريب سميع مجيب .. يجيب المضطر إذا دعاه .. يأمرك وأنت الفقير الضعيف المحتاج .. وهو الغني القوي الواحد الماجد .. بأن تدعوه "ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُم".

إذا نزلت بك النوازل .. وألمّت بك الخطوب .. فالهج بذكره ،، واهتف باسمه ،، واطلب مدده واسأله فتحه ونصره ،، مرِّغ الجبين لتقديس اسمه ؛؛ لتحصل على تاج الحرية ،، وأرغم الأنف في طين عبوديته لتحوز وسام النجاة ..

مد يديك ،، ارفع كفيك ،، أطلق لسانك ،، أكثر من طلبه ،، بالغ في سؤاله ،، ألح عليه ،، الزم بابه ،، انتظر لطفه ،، ترقب فتحه ،، اشدُ باسمه ،، أحسن ظنك فيه ،، انقطع إليه ،، تبتل إليه تبتيلاً ،، حتى تسعد وتفلح ..

فهلاّ عدنا إليه .. والتجأنا به .. وتوكلنا عليه .. وألححنا بدعاءه ..

يامن غرق في الذنوب والملهيات .. عد .. وارجع .. فهو يقول : (( قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم ، لا تقنطوا من رحمة الله ، إن الله يغفر الذنوب جميعا ، إنه هو الغفور الرحيم ))

عد إلى ربك .. واطلبه المغفرة .. فهو الغفور الرحيم

ادعُ ربك .. في كل أمورك .. وكن موقنا بالإجابة .. فربنا ما أخاب ظن عبده فيه ..

إخوتي وأخواتي الكرام .. تعالوا معي ندعُ ربنا .. فلعلنا نوافق ساعة استجابة ..




ربنا آتنا في الدنيا حسنة .. وفي الآخرة حسنة .. وقنا عذاب النار ..

ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا .. وهب لنا من لدنك رحمة .. إنك أنت الوهاب ..

ربنا إننا آمنا .. فاغفر لنا ذنوبنا .. وقنا عذاب النار ..

ربنا اغفر لنا ذنوبنا .. وإسرافنا في أمرنا .. وثبت أقدامنا .. وانصرنا على القوم الكافرين ..

لا إله إلا أنت سبحاتك ، إني كنت من الظالمين ..

اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت .. خلقتني وأنا عبدك .. وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت .. أعوذ بك من شر ما صنعت .. أبوء لك بنعمتك علي .. وأبوء لك بذنبي .. فاغر لي .. فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت

اللهم إنا نسألك موجبات رحمتك .. وعزائم مغفرتك .. والسلامة من كل إثم .. والغنيمة من كل بر .. والفوز بالجنة .. والنجاة من النار ..

اللهم اغفر لنا ذنوبنا .. وكفر عنّا سيئاتنا .. وتوفنا مع الأبرار ..

اللهم حبب إلينا الإيمان .. وزينه في قلوبنا .. وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان .. واجعلنا من الراشدين ..





أيها الإخوة والأخوات ../ التجؤوا إلى ربكم .. وادعوه .. دعاء الواثق من الإجابة .. واعلموا أن دعائكم إن لم يستجاب .. فهو إما أن يكون قد رفع ضُرّا كان سيحل بكم .. أو أنه يُكتب لكم جبال من الحسنات ..

ولا يرد القدر .. إلا الدعاء ..

أسأل الله أن ينفعني وإياكم بما كُتِب هنا .. والله تعالى أعلم